حين نتحدث عن مرشح المعارضة، فإننا نقصد بشكل رئيس مرشح الطاولة السداسية، وإلا فإن بعض أحزاب المعارضة الأخرى ستقدم مرشحيها الخاصين بها، ومن بينها حزب الشعوب الديمقراطي الذي أعلن أنه بصدد ذلك، وأحزاب أخرى صغيرة لا سيما تلك المنشقة عن أحزاب كبيرة.
وفي ظل المعطيات السابقة، وإصرار رئيس حزب الشعب الجمهوري -أكبر أحزاب المعارضة- على ترشيح نفسه، ووجود معارضة بين أهم أركان الطاولة لذلك، تبدو أمام الأخيرة عدة سيناريوهات محتملة في المستقبل القريب:
- السيناريو الأول هو اقتناع زعيم المعارضة كليجدار أوغلو بعدم ترشيح نفسه وتقديم مرشح آخر مثل رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو أو أنقرة منصور يافاش، تحت وطأة معارضة الأحزاب الحليفة له وفي مقدمتها الحزب الجيد، أو تأثرا باستطلاعات الرأي التي تظهر أنه أضعف في مواجهة أردوغان من شخصيات أخرى، أو تحت ضغط أطراف أخرى مثل تيارات داخل حزبه أو غيرها.
- السيناريو الثاني أن يضمن زعيم المعارضة دعم شركائه في الطاولة السداسية لترشيح نفسه، إما اقتناعا، أو بقوة قاعدته التصويتية، أو بإرضائهم عبر وعود أو ضمانات تتعلق بمرحلة ما بعد الانتخابات، في حال فاز.
وفي هذا الإطار ووفق هذا السيناريو، أتت تصريحات داود أوغلو عن استمرار الطاولة السداسية بعد الانتخابات، وعدم إبرام الرئيس المقبل -إن كان مرشح المعارضة- القرارات الإستراتيجية من دون موافقة رؤساء الأحزاب. وقد تكون الصيغة الأقرب -وفق هذا السيناريو- ترشح كليجدار أوغلو للرئاسة مع إعلان مسبق عن مناصب رؤساء الأحزاب الخمسة الأخرى كنواب للرئيس ووزراء. - السيناريو الثالث هو توافق الطاولة السداسية على مرشح واحد ولكن من خارج الأحزاب الستة، وهنا نكون أمام خيارين فرعيين: إما ترشيح شخصية سياسية قوية ومعروفة، مثل الرئيس الأسبق عبد الله غل ودعم جميع الأحزاب له، وهو ما يمكن أن ترجحه الأحزاب الصغيرة وخصوصا المحافظة منها، بينما لن يرغب فيه الشعب الجمهوري، وإما ترشيح شخصية غير حزبية بلا طموح سياسي كبير(Low profile)، بحيث تبقى خاضعة نسبيا للطاولة السداسية إن فازت.
- السيناريو الرابع يتمثل في عدم قدرة الطاولة السداسية على التوافق على مرشح واحد قبل موعد الانتخابات، وبالتالي نكون أمام أكثر من مرشح منها، بل قد يقرر كل حزب أن يقدم مرشحه الخاص، بحيث تخوض المعارضة الانتخابات بعدة مرشحين من داخل الطاولة وخارجها، بهدف تحقيق حالة إشباع لأصوات الناخبين وتأمين مشاركة عالية وحرمان أردوغان من بعض الأصوات. ووفق هذا السيناريو فإن احتمال اللجوء لجولة إعادة سيتعزز نسبيا، وبالتالي تكون هذه الأحزاب قد أجلت النقاش والتفاوض وعقد الصفقات في ما بينها، ومع أحزاب معارضة أخرى، لما قبل جولة الإعادة، رغم ما في الأمر من مخاطرة لا تخفى على عين السياسي.
وبالنظر للجدل السياسي الحاصل في البلاد مؤخرا وتصريحات رؤساء الأحزاب الستة وقيادييها البارزين، يبدو أن السيناريو الثاني أكثر ترجيحا من الآخرين، أي أن يصر رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو على ترشيح نفسه بدعم من الأحزاب الخمسة الأخرى المنضوية تحت الطاولة السداسية. يتبعه، في المرتبة الثانية، السيناريو الرابع المتمثل في تقديم عدة مرشحين وانتظار جولة الإعادة -في حال حصلت- لتأمين دعم باقي الأحزاب لمن يحصل على أعلى الأصوات من بين مرشحي المعارضة.
وفي المرتبة الثالثة من حيث السيناريوهات الراجحة، يأتي خيار ترشيح شخصية من خارج الطاولة، ثم أخيرا خيار تراجع زعيم المعارضة عن ترشيح نفسه وتقديم أحد رؤساء البلدية للرئاسة.
ومن الجدير ذكره أن هذه السيناريوهات تفترض بقاء الطاولة السداسية قائمة وفاعلة مع حالة تنسيق بالحد الأدنى بين مكوناتها، وهو السياق المتوقع. بيد أن هناك احتمالا خامسا يتمثل في عدم قدرة الفرقاء الستة على التوافق وانفضاض الطاولة وتقديم عدة مرشحين عن هذه الأحزاب لكن بصورة منفصلة تماما، بما في ذلك سيناريو ترشيح شخصيات من خارج الطاولة، ولكن باسم بعض هذه الأحزاب وليس الطاولة نفسها، وفي مقدمة الأسماء الممكنة الرئيس الأسبق عبد الله غل. ولكن يبقى هذا الخيار ضعيف الفرص حاليا، إذ تدرك هذه الأحزاب أن فرصها تكاد تكون معدومة إن تفرقت وتشتتت أصواتها.
سعيد الحاج | الباحث في الشأن التركي